فصل: ذِكْرُ الْمَاءِ لَا يُوجَدُ السَّبِيلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالثَّمَنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ النِّيَّةِ لِلتَّيَمُّمِ:

ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْحَدِيثَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ. وَمِمَّنْ هَذَا مَذْهَبُهُ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَحْسَبُ مَذْهَبَ الثَّوْرِيِّ وَالنُّعْمَانِ فِي التَّيَمُّمِ خَاصَّةً إِلَّا كَمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي رَجُلٍ عَلَّمَ رَجُلًا التَّيَمُّمَ لَا يُجْزِيهِ لِصَلَاتِهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَيَمَّمَا وَتَعْلِيمًا وَإِنْ عَلَّمَهُ الْوُضُوءَ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا يُجْزِيُ إِذَا عَلَّمْتَ رَجُلًا التَّيَمُّمَ حَتَّى تَنْوِيَ أَنْتَ بِهِ التَّيَمُّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ وَلَا أَدَاءُ شَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ إِلَّا بِنِيَّةٍ.

.ذِكْرُ الصَّعِيدِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] الْآيَةَ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا: تَحَرَّوْا تَعَمَّدُوا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ فَتَعَمَّدُوا لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ ذِي الْغُبَارِ جَائِزٌ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَطْيَبُ الصَّعِيدِ أَرْضُ الْحَرْثِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: كُلُّ شَيْءٍ ضَرَبْتَ عَلَيْهِ يَدَكَ فَهُوَ صَعِيدٌ حَتَّى غُبَارٍ لِيَدِكَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا أَتَتْ عَلَيْهِ الْأَمْطَارُ فَطَهَّرَتْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ اسْمُ صَعِيدٍ إِلَّا عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: الصَّعِيدُ: التُّرَابُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَتِ الْأَرْضُ لَنَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ بِكُلِّ تُرَابٍ جَائِزٌ إِذَا كَانَ طَاهِرًا.

.ذِكْرُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ السَّبَخَةِ:

قَالَ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] الْآَيَةَ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»، فَالتَّيَمُّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ جَائِزٌ سِبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَسْجِدَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَبِقُبَاءٍ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ مَسَاجِدِهِ فِي سَبَخَةٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَتُرَابِ السَّبَخَةِ لَا يُتَيَمَّمُ بِهِ، هَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ لِأَنَّ تُرَابَ السَّبَخَةِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» غَيْرُ خَارِجٍ مِنْهُ بِحُجَّةٍ.

.ذِكْرُ التَّيَمُّمِ بِالْحَصَى وَالرَّمْلِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّيَمُّمِ بِالْحَصَى وَالرَّمْلِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ جَائِزٌ رُوِّينَا عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالرُّخَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الرَّمْلُ هُوَ مِنَ الصَّعِيدِ فَلْيَتَيَمَّمْ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَيَمَّمُ بِالْحَصَى، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَتَيَمَّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: كُلُّ شَيْءٍ يَتَيَمَّمُ بِهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ طِينٍ أَوْ جَصٍّ أَوْ نُورَةٍ أَوْ زَرْنِيخٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ مِنَ الْأَرْضِ يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى حَائِطٍ أَوْ حَصَى أَوْ عَلَى حِجَارَةٍ فَتَيَمَّمَ بِذَلِكَ يُجْزِيهِ، وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنَ الْأَرْضِ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى التَّيَمُّمَ جَائِزًا بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَمَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لَجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، مُجْمَلٌ، وَقَوْلُهُ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»، مُفَسَّرٌ وَالْمُفَسَّرُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْلَى مِنَ الْمُجْمَلِ فَالتَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»، وَمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا».

.ذِكْرُ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ النَّجَسِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ النَّجَسِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الْكُوفِيِّ فِي أَنَّهُ قَالَ: إِنْ صَلَّى عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ الْمَقْبَرَةِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ تَيَمَّمَ بِهِ وَصَلَّى مَضَتْ صَلَاتُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَجُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُجْزِي إِلَّا بِالطَّيِّبِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ.

.ذِكْرُ احْتِيَالِ التُّرَابِ مِنَ الْأَنْدِيَةِ وَالْأَمْطَارِ:

رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ فِي طِينٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ: يَأْخُذُ مِنَ الطِّينِ فَيُطْلِي بِهِ بَعْضَ جَسَدِهِ فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى قَرْبُوسِ سَرْجِهِ وَجَوَالِقِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَلْتَمِسُ غُبَارًا فِي جَوَالِيقَ أَوْ بَرْذَعَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَحْمَدُ: يَتَيَمَّمُ بِاللِّبْدِ إِذَا عَلِقَهَا غُبَارٌ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا كَانَ مَعَهُ لِبْدٌ أَوْ سِرْجٌ نَفَضَهُ وَيَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ أَوْ يُجَفِّفُ طِينًا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ كُلُّهَا قَرِيبَةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ نَقُولُ: يَحْتَالُ لِلْغُبَارِ كَيْفَ قَدَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَيَمَّمَ بِهِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى اللِّبْدِ إِذَا كَانَ الثَّلْجُ.
533- حَدَّثُونَا عَنْ إِسْحَاقَ، وَأَحْمَدَ بْنَ عَمْرَ، قَالَا: ثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ فِي طِينٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ قَالَ: يَأْخُذُ مِنْهُ، قَالَ: يَأْخُذُ مِنَ الطِّينِ فَيُطْلِي بِهِ بَعْضَ جَسَدِهِ فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ.

.ذِكْرُ التَّيَمُّمِ عَلَى الثَّلْجِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الثَّلْجِ فَكَانَ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ لَا يَرَيَانِ التَّيَمُّمَ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَالشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يُذِيبَهُ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّيَمُّمِ عَلَى الْحِجَارَةِ أَوْ عَلَى الثَّلْجِ أَوْ عَلَى الْمَاءِ الْجَامِدِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الصَّعِيدَ قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: وَأَحَبُّ إِلَيَّ إِذَا وَجَدَ الصَّعِيدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ مِمَّا ذَكَرْتُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِالتُّرَابِ لِمَا ذَكَرْتُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ دَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

.ذِكْرُ الْبِئْرِ لَا يُوجَدُ السَّبِيلُ إِلَى مَائِهَا:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا وَجَدَ بِئْرًا لَا يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إِلَى مَائِهَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ، كَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ وَالنُّعْمَانُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ.

.ذِكْرُ الْمَاءِ لَا يُوجَدُ السَّبِيلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالثَّمَنِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِالثَّمَنِ فَفِي مَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَشْتَرِيهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُبَعْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ تَيَمَّمَ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إِذَا كَانَ وَاجِدَ الثَّمَنِ مِثْلِهِ غَيْرَ خَائِفٍ إِنِ اشْتَرَاهَ الْجُوعَ فِي سَفَرِهِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَشْتَرِيهِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ إِنْ شَاءَ فَإِنْ وَجَدَ بِثَمَنٍ رَخِيصٍ كَمَا يَشْتَرِي النَّاسُ اشْتَرَاهُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ فَحَكَى الْعَدَنِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُعْجِبُنِي إِلَّا أَنْ يُبَاعَ بِقَدْرِ مَا يَبْتَاعُ النَّاسُ وَحَكَى الْأَشْجَعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ مَعَكَ مَا تَشْتَرِي بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَتَيَمَّمَ وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ ثَانٍ قَالَ: إِنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ إِلَّا بِمَالِكَ كُلِّهِ فَاشْتَرِهِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ: فِي الْجُنُبِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إِلَّا بِثَمَنٍ غَالٍّ إِنْ كَانَ قَلِيلَ الدَّرَاهِمِ رَأَيْتُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا يَقْدِرُ رَأَيْتُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَمْ يَشْتَطُّوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ فَإِنْ رَفَعُوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَاءِ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِثَمَنٍ غَالٍّ يَكُونُ عَلَى: قَدْرِ نَفَقَتِهِ إِنْ كَانَ مُتَّسِعًا اشْتَرَى وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفَقَتِهِ فَلَا بَأْسَ.

.ذِكْرُ مَنْ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا صَعِيدًا:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا صَعِيدًا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْوُضُوءِ أَوِ التَّيَمُّمِ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي إِلَّا بِطَهَارَةٍ، هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَتَيَمَّمٍ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيُّ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَقَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الصَّلَاةَ تُؤَدَّى بِآلَاتٍ لَا يُجْزِي مَنْ وَجَدَ ثَوْبًا أَنْ يُصَلِّيَ إِلَّا مُسْتَتِرًا وَلَا يُجْزِي مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِي مَنْ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَتَوَضَّأُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَيَمَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمُصَلِّي ثَوْبًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا عَلَى الطَّهَارَةِ صَلَّى كَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوِ التُّرَابَ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» وَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُصَلِّيَ مَنْ لَا يَجِدُ مَاءً يَتَطَهَّرُ بِهِ وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: يُجْزِيهِ أَنْ يُصَلِّيَ إِذَا لَمْ يَجِدِ السَّبِيلَ إِلَى الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فَيَقُولُ: سَقَطَ فَرْضُ الطَّهَارَةِ عَمَّنْ لَا يَجِدُ السَّبِيلَ إِلَيْهَا كَمَا سَقَطَ فَرْضُ الْقِيَامِ عَنِ الْمَرِيضِ وَفَرْضُ الثَّوْبِ عَنِ الْعَارِي، وَنَظِيرُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ امْرَأَةٍ تَحِيضُ إِلَّا بِخِمَارٍ»، وَيُجْزِيهَا عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ تَجِدْ ثَوْبًا أَنْ تُصَلِّيَ عُرْيَانَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالطَّهَارَةِ وَالِاسْتِتَارِ مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرُهُ بِالصَّلَاةِ احْتِيَاطًا وَيَكُونُ فَرْضُهُ الَّذِي يُؤَدِّيهِ إِذَا وَجَدَ إِلَى الطَّهَارَةِ سَبِيلًا مَعَ أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ فِي حَدِيثٍ.
534- حُدِّثْتُهُ عَنْ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا رِجَالًا فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى وُضُوءٍ فَصَلُّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا قَوْلُهُ: صَلُّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَقَدْ حَفِظَهُ عَبْدَةُ فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ، فَفِيهٍ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لِأَنَّ فَرْضَ أُولَئِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ التَّيَمُّمِ كَانَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ فَإِذَا كَانُوا صَلُّوا فِي تِلْكَ الْحَالِ بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ كَانَ كَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ وَقَدْ أَعْوَزَهُ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ فَصَلَّى فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ هَذَا إِذَا كَانَ الْحَرْفُ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَبْدَةَ مَحْفُوظًا.

.ذِكْرُ صِفَةِ التَّيَمُّمِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْلُغُ بِهِ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْآبَاطِ هَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمِنْ حُجَّةِ الزُّهْرِيِّ حَدِيثُهُ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ عَمَّارٍ.
535- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّ عَمَّارًا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ عَائِشَةُ فَهَلَكَ عِقْدُهَا فَاحْتَبَسَ النَّاسَ فِي ابْتِغَائِهِ حَتَّى أَصْبَحُوا وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ، قَالَ عَمَّارٌ: فَقَامُوا فَمَسَحُوا فَضَرَبُوا أَيْدِيَهُمْ فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ ثَانِيَةً فَمَسَحُوا بِهَا أَيْدِيَهُمْ إِلَى الْإِبِطَيْنِ أَوْ قَالَ إِلَى الْمَنَاكِبِ.
536- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: تَيَمَّمْنَا إِلَى الْمَنَاكِبِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَالِمٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَسُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: ضَرْبَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ.
537- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَيَمَّمَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى التُّرَابِ وَمَسَحَ وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَلَا يَنْفُضُ يَدَيْهِ مِنَ التُّرَابِ.
538- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ.
539- وَحَدَّثُونَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَتَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ فَقَالَ: أَحْسَبُكَ تَحَوَّلْتَ حِمَارًا ثُمَّ وَضَعَ جَابِرٌ يَدَيْهِ فِي الْأَرْضِ فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ وَضَعَهُمَا فَمَسَحَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا التَّيَمُّمُ وَمِنْ حُجَّةِ بَعْضِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَحَادِيثُ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ.
540- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَاجَةٍ فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، قَالَ: فَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ حَتَّى ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ بِهِمَا ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي الصِّمَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ.
541- الرَّبِيعُ أَخْبَرَنِي عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثٌ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَسْلَعَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فَقَالَ: «يَا أَسْلَعُ قُمْ فَارْحَلْ لِي»، فَقُلْتُ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فَسَكَتَ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَأَرَانِي التَّيَمُّمَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا فَمَسَحَ وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ثَانِيَةً فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا.
542- حُدِّثْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الرَّبِيعِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ.
543- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ فِي التَّيَمُّمِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالشَّعْبِيِّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ بِحُجَجٍ فَأَعْلَى مَا احْتَجَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّالَّةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ.
544- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ أَنَّهُ أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَقَالَ عَمَّارٌ: إِنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ وَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالتُّرَابِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَذَا»، فَضَرَبَ عَمَّارٌ بِيَدَيْهِ وَنَفَخَ فِيهِمَا وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ.
545- وَحَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ، ثنا قَتَادَةُ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ عَمَّارٍ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعَلِّمَهُمْ صِفَةَ التَّيَمُّمِ مِمَّا فَعَلُوهُ عِنْدَ نُزُولُ الْآيَةِ احْتِيَاطًا قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعَلِّمَهُمْ صِفَةَ التَّيَمُّمِ فَلَمَّا جَاءُوهُ عَلَّمَهُمْ فَقَالَ لِعَمَّارٍ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَذَا»، وَفِي قَوْلِهِ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَذَا»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ عَمَّارًا عَلَّمَهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِلَايَتِهِ أَيَّامَ عُمَرَ عَلَى الْكُوفَةِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
546- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا سَعِيدٌ، ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: وَضَعَ عَمَّارٌ كَفَّيْهِ فِي التُّرَابِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا فَنَفَضَهُمَا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا التَّيَمُّمُ.
547- وَحَدَّثُونَا عَنْ بُنْدَارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارًا، يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: التَّيَمُّمُ هَكَذَا وَضَرَبَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَمِمَّا احْتَجَّتْ بِهِ هَذِهِ الْفِرْقَةُ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَمْسَحَ بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَثَبَتَ فَرْضُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَلَا يَجِبُ الْفَرْضُ بِاخْتِلَافٍ وَلَا حُجَّةَ مَعَ قَائِلِهِ وَفِي تَعْلِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْحَابَهُ صِفَةَ التَّيَمُّمِ دَلِيلٌ عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَدْ بَيَّنَ لَمَّا قَالَ لِعَمَّارٍ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَذَا، أَنَّ الَّذِي فَرَضَ اللهُ مَسَحَ الْوَجْهَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَدِ احْتَجَّ مَكْحُولٌ بِحُجَّةٍ أُخْرَى قَالَ: لَمَّا قَالَ تَعَالَى فِي الْوُضُوءِ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] وَقَالَ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] وَلَمْ يَسْتَثْنِ إِلَى الْمَرَافِقِ ثُمَّ قَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] قَالَ مَكْحُولٌ: فَإِنَّمَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ الْكَفُ مِنَ الْمِفْصَلِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا مَعَانِيَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ تَيَمُّمِهِمْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُمْ، فَأَمَّا الْأَخْبَارُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَمَعْلُولَةٌ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَمِنْهَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ دَفَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَهُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الضَّرْبَتَيْنِ، يُضَعَّفُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي التَّيَمُّمِ خَالَفَهُ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللهِ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَعَلَهُ. فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لِضَعْفِ مُحَمَّدٍ فِي نَفْسِهِ وَمُخَالَفَةِ الثِّقَاتِ لَهُ حَيْثُ جَعَلُوهُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَمَّا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى فَقَدْ دَفَعَهُ جَمَاعَةٌ، نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَشَهِدَ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَابْنُ مَرْيَمَ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالْكَذِبِ، وَتَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ حَدِيثَ النَّاسِ فَيَجْعَلُهُ فِي كُتُبِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ بِثِقَةٍ كَذَّابٌ رَافِضٌ. وَقَدْ كَثُرَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَخْبَارَهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ مَعَ بَاقِي مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْكَلَامِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ فَهُوَ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ لِأَنَّ الرَّبِيعَ لَا يُعْرَفُ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَلَا أَبُوهُ وَلَا جَدُّهُ، وَالْأَسْلَعُ غَيْرُ مَعْرُوفٌ، فَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.